رئيس دولة الفساد صورة لرئيس بالتوافق عاجز عن أبسط الأمور

بدري نوئيل يوسف

رئيس دولة الفساد صورة لرئيس بالتوافق عاجز عن أبسط الأمور

 بقلم مواطن محتار بين التضامن الشكلي والعجز المؤسساتي في إدارة الدولة

مقدمة

في كثير من دول العالم، تتجلى أزمة الحكم حين يصل رأس السلطة إلى منصبه ليس بالكفاءة أو الشعبية، بل نتيجة توافقات سياسية معقدة تهدف إلى إرضاء جميع الأطراف على حساب المصلحة العامة. وفي هذه الحالة، يصبح الرئيس أسير التحالفات، عاجزًا حتى عن اتخاذ أبسط القرارات، إلى درجة لا يستطيع فيها "فتح صنبور الماء" كما يقول التعبير الشعبي الدارج لوصف أقصى درجات العجز.
اختيار الرئيس بالتوافق: بين السياسة والشلل الإداري
رئيس دولة الفساد عندما يصبح التوافق أهم من الكفاءة
يحدث أن تعجز النخب السياسية عن الاتفاق على شخصية قوية ومؤثرة، فيلجؤون إلى تعيين شخصية رمزية لا تمتلك من الصلاحيات أو الجرأة ما يكفي لإحداث تغيير حقيقي. هذا النوع من الرؤساء يُختار فقط لتهدئة الاحتقان السياسي، وهو غالبًا ما يكون بلا رؤية واضحة أو مشروع وطني شامل، بل يُحركه الخوف من إغضاب أي طرف.
في بلادٍ بعيدة لا تظهر على الخرائط ليس لأنّها سرّية، بل لأن الخرائط ترفض الاعتراف بها اجتمع كبار “حكمائها”، المعروفين شعبيًا باسم مجلس المصلحة العامة… ومصلحة الجيوب أيضًا، ليعيّنوا رئيسًا جديدًا لدولة الفساد.
لم تُجرَ انتخابات، ولم يُستَشَر الشعب، ولم تُفتح صناديق؛ فهذه أمور تسبّب صداعًا غير ضروري. بل توافَق القوم… لأن التوافق عندهم أهم من الأمانة، وأقوى من القانون، وأكثر حضورًا من الدولة نفسها.
وهكذا ظهر الرئيس الجديد: رجلٌ طيّب الملامح، هادئ الصوت، شديد الأدب… لدرجة أنّه يستأذن حتى الذباب قبل أن يلوّح بيده ليطرده.
لكن هنا ظهرت المشكلة:
الرجل لا يستطيع طرد الذباب إلا إذا جاءه أمرٌ من “الكبار”.
في المشهد اليومي الشهير داخل القصر:
• يقترب ذبابة ويتجول على أنفه باطمئنان.
• يهمّ الرئيس برفع يده…
• ثم يتراجع بشهامة:
“لا يجوز، لم يصلني التوجيه بعد.”
ويمر السكرتير مسرعًا:
“سيدي، وصل أمر طرد الذبابة.”
فينطلق الرئيس بكل حزم، ويطردها وكأنه يحرر القدس.

دولة الفساد: حين تصبح المؤسسات رهينة للمحسوبيات
في ظل غياب القيادة الفاعلة، تنتشر المحسوبيات والفساد في مؤسسات الدولة. ينشغل المسؤولون بتوزيع الغنائم والمناصب بدلًا من خدمة المواطن، وتتحول أجهزة الدولة إلى أدوات لخدمة مصالح فئوية ضيقة. وتظهر المظاهر العبثية في الإدارة، حيث لا يستطيع الرئيس حتى التدخل في أبسط القضايا، وتصبح الدولة في حالة شلل دائم.
العجز عن فتح "صنبور الماء": دليل رمزي على فشل القيادة
لا يقتصر العجز على السياسات الكبرى فقط، بل يمتد ليشمل القضايا اليومية للمواطن. فعندما يعجز الرئيس عن حل أزمة بسيطة كالماء أو الكهرباء، يصبح دليلاً واضحًا على أن الدولة بأكملها وقعت رهينة لعجز القيادة وفساد المؤسسات. وتتحول الشكوى اليومية إلى تعبير عن يأس الناس من قدرة النظام على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية.
نتائج هذا الواقع على المجتمع والدولة
• انعدام ثقة المواطن في المؤسسات العامة.
• تفاقم المشاكل المعيشية والخدماتية.
• انتشار الواسطة والمحسوبية على حساب الكفاءة.
• تراجع هيبة الدولة وانهيار مفهوم سيادة القانون.
خاتمة
إن تجربة "رئيس دولة الفساد" الذي جاء بالتوافق بين الأطراف، وعجز عن أبسط مسؤولياته التنفيذية، لا تقتصر على بلد بعينه، بل هي صورة نمطية تتكرر في دول كثيرة تعاني من أزمات بنيوية في نظام الحكم. الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب إعادة الاعتبار للكفاءة والمساءلة في اختيار القيادات، وتعزيز دور المؤسسات الرقابية، وإعلاء المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
الشعب، كالعادة، منقسم:
فمنهم من يقول إن الرئيس رمزي ومهمته أن “يمثل الدولة”.
ومنهم من يرى أنه بالفعل يمثلها… فكما الدولة تحتاج إذنًا لتحرّك أصغر موظف، يحتاج الرئيس إذنًا لتحرك أصغر عضلة.
أما الذباب نفسه فأصبح جزءًا من الحياة السياسية؛
حتى قيل إن بعض(الذباب الالكتروني) يملك نفوذًا أكبر من بعض الوزراء.
ومع ذلك، يخرج الإعلام الرسمي كل صباح ليخبر الناس أن الرئيس قويّ، شجاع، وحاسم، وأن كل القرارات تمر من خلاله… رغم أن موظف الأرشيف يستطيع إيقاف توقيع منه بحركة حاجب.
والمفارقة أن الرئيس نفسه مقتنع بأنه رئيس فعلًا.
ففي نهاية كل يوم، بعد أن يطرد آخر ذبابة بتعليمات صارمة، ينظر إلى المرآة ويقول لنفسه:
“ما شاء الله… دولة تُدار بإذن… ورئيس يعمل بإذن… لكن المهم أننا متوافقون!”
وهكذا تستمر دولة الفساد، لا تسقط ولا ترتفع…
تمامًا كما يقف الذباب على الجدار: ثابت، مرتاح، غير منزعج.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

947 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع